المنهجية
على الرغم من أن هذه الدراسة تتبنى سبلًا تجريبية جديدة، إلا أن جمع البيانات فيها يُبنى صراحةً على المؤلفات والأعمال السابقة عندما يكون ذلك ممكنًا. ويلخص الملحق (أ) في نهاية هذا التقرير أسلوب انتقاء العينات بالتفصيل، غير أنه يجدر بنا إبراز مصادر الاستطلاع الذي أجريناه في البداية. على وجه التحديد، تتسق مفاهيم الشك و تصنيفه مع الدراسة الأولية لهذا المشروع. وكما هو الحال في "الطرق الحديثة"، نحن نهتم بنوعية الشك الديني الذي يمكن أن يوهن إيمان المرء؛ بل يؤدي حتى إلى ترك الإسلام بالكلية. ولهذه الغاية، فإن المبادرة التي عرضت لعناصر تشتمل على مقياس الشك لدينا هي على النحو التالي:
في بعض الأحيان، هناك تجارب أو تعاليم معينة تقود إلى تغلغل الشك في نفس المرء في عقيدته. إلى أي مدى تسببت المشاكل التالية في التأثير على معتقداتك الدينية؟
بالمثل، استند الإطار التنظيمي لمقياس الشك على النتائج التي توصلت إليها دراستنا السابقة. على وجه الخصوص، سلط هذا العمل الضوء على ثلاث فئات أساسية للشك. الفئة الأولى؛ الاعتبارات الأخلاقية والاجتماعية، التي تعكس المخاوف الكامنة التي تنشأ عندما يجب على المرء المواءمة بين فهمه للإسلام وبين المعايير الأخلاقية للمجتمع (تكون أكثر مرونة في بعض الأحيان). وخلافاً للادعاءات المعادية للمسلمين التي اكتسبت أهمية في العقد الماضي (لا سيما منذ بداية الدورة الرئاسية الأخيرة)، يجدر بنا التأكيد على أن الأغلبية العظمى للعقيدة الإسلامية وممارستها تتوافق كلياً مع العيش كمواطن أمريكي. ومع ذلك، كما هو الحال مع أي عقيدة شاملة، ستكون هناك قضايا معينة تصطدم فيها التفسيرات السائدة للمعتقدات والممارسات الإسلامية مع التفاهمات الثقافية السائدة في أمريكا. بالنسبة للمسلمين الأميركيين، يمكن لهذه التوترات والصراعات أن تصبح قوة دافعة للتشكيك في الإسلام.
أما الفئة الثانية، الاعتبارات الفلسفية والعلمية، التي تشتمل على انتقادات تهدف إلى افتراض "اللاعقلانية" في الدين، بوجه عام، وفي الإسلام، بوجه خاص. تتلاقى الشكوك التي تنتقل عبر هذا المسار حول ثلاث نقاط: 1) مسألة النشوء مقابل الخلق، و 2) التصور العام بأن المعرفة العلمية تتعارض مع المعتقدات الدينية الأساسية، و 3) عدم القدرة على "إثبات" مبادي إيمانية معينة أو حل التناقضات الظاهرية، مثل السبب وراء أن الإله الذي يحب الخير لعباده يسمح بوجود الشر في العالم.
هناك مجموعة أخيرة من الشكوك، تلك النابعة من الصدمة الشخصية، وهي تتمحور حول الفئات العامة الثلاثة التي انبثقت عن المقابلات المتعمقة التي أجريت مع قادة المؤسسات الإسلامية في جميع أنحاء البلاد. وهذا المصدر الثالث ينطوي على الصدمة الناجمة من خلال 1) الأحداث / العلاقات الحميمية، سواء كانت حادة (مثل وفاة أحد الأحباء) أو طويلة المدى (مثل استغلال العاطفة أو الجسد بصورة متكررة)، و 2) والعلاقات المجتمعية، حيث يشعر فيها المرء بالتمييز أو الكراهية في الأماكن المخصصة للمسلمين.
باستخدام هذا الإطار، قمنا بشحن بطارية الشك بالعناصر التي أثبتها العلماء الآخرون في الدراسات السابقة. كان العمل التعاوني والفردى من اثنين من علماء الاجتماع، بوب التماير وبروس هانسبيرجر، اللذين كانا لهما أثر ملحوظ في هذا الشأن على وجه التحديد. على وجه الخصوص، تم اقتباس عدد من المقاييس المستخدمة في هذه الدراسة من الأعمال الثنائية، والعمل ذي الصلة بهذه الدراسة بشكل كامل "تحولات مذهلة: لماذا يلجأ البعض إلى الإيمان وينصرف آخرون عن الدين". مع استخلاص أكثر العناصر القابلة للتطبيق من استطلاع التماير وهانسبيرجر (مع إدخال التعديلات الضرورية في بعض الأحيان) ومن خلال تنظيم العناصر وفقًا للإطار الذي نتبناه حول الشك الذي يعتري المسلمين، فقد حصلنا على المجموعة التالية من مصادر الشك المحتملة:
الاعتبارات الأخلاقية والاجتماعية
- التعاليم حول دور المرأة.
- نفاق المنتسبين للدين؛ هو سلوكًا غير ديني ممن هم منتسبين للدين.
- الأفعال السيئة التي يرتكبها الآخرون باسم الدين.
- التعصب الذي يبديه بعض المنتسبين للدين تجاه الأديان الأخرى.
- إصرار المنتسبين للدين أحيانًا على وجود طريقة واحدة "صحيحة" لممارسة العقيدة
- التعصب الذي يبديه بعض المنتسبين للدين تجاه أشخاص معينين (مثل المثليين جنسياً)
الاعتبارات الفلسفية والعلمية
- الجدل الدائر حول النشوء (من خلال الانتقاء الطبيعي) مقابل الخلق (خلق الله).
- الشك في وجود الله.
- مشكلة الشر والمعاملة غير المنصفة في جميع أنحاء العالم.
- الشعور بأن بعض المعتقدات أو الممارسات الدينية غير منطقية "غير عقلانية".خ
الصدمة الشخصية
- اكتشاف أن التدين لا يجعل المرء سعيدًا.
- الشعور بالمقت و الكراهية في المجتمع المؤمن الذي يعيش المرء فيه.
- وفاة أحد الأحباء.
بالنسبة لكل عنصر، كانت خيارات الإجابات "لا، على الإطلاق"، أو "قليلًا"، أو "معتدل" أو "جيد إلى حد ما"، أو "جيد جدًا".
على الرغم من أن مقياس الشك لدى المسلمين يتوافق إلى حد كبير مع إطار "الطرق الحديثة"، إلا أن هناك تناقضًا ملحوظًا واحدًا، فالعناصر التي تهدف إلى قياس الصدمة الشخصية لا تتوجه بالسؤال بشكل مباشر عن الاستغلال العاطفي أو الجسدي. لم يكن هذا سهوًا أو خطأ غير مقصود، بل كان قرارًا صائبًا، إذ أن هذا القرار تم اتخاذه - أولاً وقبل كل شيء – من خلال اهتمام المستجيبين المشمولين في الاستطلاع، حيث لا ينبغي طرح مثل هذه الأسئلة في غياب استراتيجية دقيقة لقياس المواقف والتجارب ذات الصلة وفي نفس الوقت التسبب في أقل مقدار من الضرر. يقتضي مثل هذا النهج تطبيق دراسة مخصصة حول الموضوع، دون ذلك النهج الذي يقتضي دراسة مقاييس واسعة المدى. ثانياً، قد يكون إدراج أسئلة من هذا النوع ضارًا بموثوقية الاستطلاع وصحته، لأنه قد يسفر عن انسحاب بعض المستجيبين بمجرد رؤية هذه العناصر، أو تغيير طريقة تفكير أولئك المستجيبين الذين يختارون الاستمرار في المشاركة في الاستطلاع. لهذه الأسباب، اخترنا عدم طرح أسئلة عن الأحداث المؤلمة التي خاضها المستجيب لفترات طويلة في هذا الإستطلاع.
مصادر الشك
يعرض الشكل 1 نسبًا لكل من العناصر المطروحة في مقياس الشك، والمرتبة على أساس تلك القضايا التي تسببت في تشكيك معظم المستجيبين في معتقداتهم الدينية بشكل ملحوظ لأولئك الذين فعلوا ذلك على أقل تقدير. أول سمة ملحوظة في هذا الرسم البياني هي أن القضايا الأربعة الأولى تنبع من شجرة شكوك أخلاقية واجتماعية. علاوة على ذلك، مع اعتبار الاستثناء الجزئي - رغم أن هذا الاستثناء قابل للنقاش - للقضية الكبرى ("إصرار البعض على وجود طريقة واحدة صحيحة لممارسة العقيدة")، تشير الأربعة قضايا إلى سلوكيات معينة بدلاً من مبادئ الإيمان. نجد أن المحصلة هي أن الدافع الأساسي للشك هو تصرفات المسلمين وليست عقيدة الإسلام. يحظى هذا التفسير بدعم أكثر عند الرجوع إلى أسفل الرسم البياني حيث نجد إن كل عنصر من العناصر الأربعة الأقل دفعًا للتشكيك يرتبط مباشرة بالإيمان العقائدي أو تفسير أحداث الحياة الشخصية في ضوء الإيمان العقائدي.
من أجل التعمق في ديناميكيات الشكوك بين المسلمين، فقد دعوَنا المستجيبين للنظر في مدى استمرار الأمور والقضايا التي أودت بهم إلى تشكيكهم في تربيتهم وتعاليمهم الدينية في الماضي ومدى كونها مصدر قلق بالنسبة لهم. على وجه التحديد، بالنسبة إلى كل مستجيب، فقد أشار إلى أن أحد العناصر في المجموعة الأولي جعلته يشك إلى حد كبير في معتقداته على الأقل "قليلاً" في الماضي، وقد سألناه عن هذه العناصر ذاتها مجددًا بالطريقة الآتية:
ومن بين تلك القضايا التي أزعجتك في الماضي، إلى أي مدى ما زالت تسبب لك شكوكًا في معتقداتك الدينية في الوقت الحالي؟
يعرض الشكل 2 النسب لكل من العناصر الموجودة في مجموعة متابعة أسئلة الشك. إجمالاً، فإن مستوى الشك الحالي في العينة أقل بكثير مما كان عليه في الماضي - وهو انخفاض متوسط بنسبة 23 ٪ على مقياس الشك العام. وبالفعل، فإن 17٪ من بين أولئك الذين أجابوا بأن قضية واحدة على الأقل أودت بهم إلى الشك "قليلًا" في الماضي، كان هناك فئة تشير الآن إلى أن أيا من العناصر الموجودة في مجموعة المتابعة لدينا تجعلهم يشككون في معتقداتهم الدينية.
من حيث مصادر الشك، فإن الاعتبارات الأخلاقية والاجتماعية تهمين مجددًا على قمة الرسم البياني. وأهم اعتبارين يدفعان المستويات الحالية للشك في استطلاعنا هما "الأفعال السيئة التي يرتكبها الآخرون باسم الدين" و "مشكلة الشر والمعاملة غير المنصفة في جميع أنحاء العالم"، وهو ما يشير إلى العناوين السلبية حول الإرهاب والمشقة الداخلية والخارجية التي تؤثر سلبًا في نفس المسلم الأمريكي. ويظل الجزء السفلي من الرسم البياني دون تغيير ملحوظ عن النمط في الشكل 1.
الردود على الشكوك
بالإضافة إلى فهرسة مصادر الشك الواردة في الاستطلاع، أردنا أيضًا أن ندرس كيفية استجابة المسلمين الأمريكيين حيال الطعن في إيمانهم وعقيدتهم. للإجابة عن هذا السؤال، قمنا بقياس احتمالية قيام أحد المستجيبين باتباع سلوك معين على أساس مقياس مكون من 4 نقاط من "غير محتمل على الإطلاق" إلى "محتمل جدًا" باستخدام مجموعة الفحص والاستطلاع الآتية:
بالتفكير في الحالات التي تعمقت فيها للسؤال عن جوانب دينك أو انزعجت بسبب معتقدات أو ممارسات معينة، ما مدى احتمال قيامك بما يلي:
- قراءة كتابك المقدس أو المؤلفات الدينية الأخرى
- التحدث إلى الأصدقاء أو الأقارب الذين ينتمون إلى دينك
- الدعاء من أجل التنوير والتوجيه
- التحدث إلى مرجع ديني (مثل كاهن أو وزير أو إمام أو حاخام)
- تصفح مواقع الويب أو الكتب الحديثة التي كتبها مؤلفون يعتنقون نفس عقيدتك
- البحث عن أشخاص معتنقين لأديان أخرى للتحقق من مدى معقولية هذا الدين من عدمه
- اتخاذ قرار البحث عن الحقيقة، حتى لو كان ذلك يعني ترك دينك
- الرجوع إلى مصادر تتعارض مع معتقداتك الدينية
- التحدث إلى الأصدقاء الذين ليس لديهم أي معتقدات دينية حول سبب إعراضهم عن اعتناق أي دين أو معتقد
الشكل 3 يعرض النسب الخاصة بمقياس الردود على الشكوك. وتنقسم الإجابات إلى بُعدين: 1) مشورات ترسّخ المعتقدات التي تشير إلى رغبة الفرد في طلب التوجيه والإرشاد من المصادر التي تتفق مع معتقداته الدينية القائمة، و 2) مشورات تهدّد المعتقدات التي تطعن في الآراء العالمية الدينية المتأصلة. رجّح المستجيبون المشمولون في العينة بوضوح المشاورات التي ترسّخ المعتقدات عندما بدت شكوكهم واضحة. على وجه التحديد، كان الانخراط الانفرادي، إما من خلال الصلاة أو الرجوع إلى المصادر الأساسية للإسلام، هو الطريق الأمثل الذي سلكه المستجيبون عند مواجهة جوانب مترسخة بشأن إيمانهم وعقيدتهم.
في إطار أغراض الدراسة، أشارت أغلبية واضحة إلى أنه من "المحتمل إلى حد ما" مشاورة أحد الأئمة، الأمر الذي يمنحنا المزيد من الثقة بأن خبرات قادة المؤسسات في "الطرق الحديثة" تتوافق بشكل جيد (إن لم يكن على نحو مثالي) مع الواقع الأمريكي المسلم الأوسع نطاقًا. علاوة على ذلك، فإن الاستعداد إلى اللجوء إلى مصادر تعزز الإيمان، مقترنة بالمستويات العامة الدنيا للشك الحالي عند مقارنتها بالشكوك في أي وقت في الماضي، تشير إلى أن أزمات الإيمان ليست قابلة للتراجع وأن التدخلات (سواء الشخصية أو الداخلية الشخصية) يمكن أن تتصدى بقوة لبعض المخاوف.
على الجانب الآخر من الرسم البياني، على الرغم من أن الأعداد أقل بكثير، إلا أن هناك أجزاء كبيرة من العينة التي تستعرض الشكوك عبر مسار أكثر جدلًا. من المحتمل أن يتفاعل ما لا يقل عن ربع المستجيبين مع شكوكهم من خلال البحث عن مصادر الهداية خارج الإسلام أو أي طريقة أخرى لحلّ مسألة عدم التقيد بالهدف المتمثل في الحفاظ على عقيدتهم. غير أن ذلك لا يعني أن استبعاد الإسلام هو نقطة النهاية لجميع الذين يسلكون هذا الطريق، بل إن البعض ممن يخوضون هذه الرحلة قد يقررون في نهاية المطاف تجديد إيمانهم أو تعزيزه. وهكذا كان الحال، على سبيل المثال، مع الشيخ عمر سليمان، الذي ذكر في مقابلة أجريت معه مؤخراً عن مدى ارتباط اختياره لأحد أكثر الإجابات تشكيكاً بالشك الذي اعتراه في شبابه، وكيف انتهى به الأمر في نهاية الأمر إلى مزيد من التثبت من إيمانه وعقيدته.